كانت امرأة عجوزاً وقد بلغت من العمر أرذله بعد صراع مرير مع الأمراض المختلفة -- النفسية، الجسدية، الإجتماعية، وحتى الإقتصادية! فقد عانت الأمرين على مدار عمرها المديد. بالرغم من كل ذلك فلازالت هذه المرأة تقاوم كل الأمراض البسيط منها و المستعصي على فراش المرض. فطوال تلك المحنة كان يتابع حالتها العديد من الأطباء المتخصصين الذين كان يُشهد لهم بالكفاءة و يُشار إليهم بالبنان محلياً و في المحافل الدُولية. كان الأمر شبه محسوم؛ الكل كان يعلم أن حالة هذه المرأة الصحية مستقرة لدرجة الجمود فلم يكن هناك أمل في تحسن حالتها و أيضاً لم يكن هناك خوف من تدهورها. كانت حبيسة الفراش و كانت تمر الأيام عليها رتيبة ومملة فقد كانت تعلم في قرارة نفسها أن حالتها ميؤوس منها وإنما هي أيام تقضيها حتى يأذن الله.
لكن فجأة وبدون مُقدِّمات وحين كان كل الأطباء المتابعين لحالتها في أجازة أو خارج البلاد لحضور مؤتمرات دُولية حدث ما لم يكن أحد يتخيله. بدأت حالة المرأة العجوز في التحسن النسبي وأصبحت تشعر وكأن الأمل قد عاد إليها لتتعافى من كل آلام الماضي. انتفض كل من في المستشفى للمفاجأة والتف الجميع حولها للاستفسار عما قد يعنيه هذا التحسن المفاجئ. لم يكن البعض مصدقاً لما حدث فكانوا يعتقدون إنما هي حلاوة روح وستعود حالة المرأة العجوز حتماً لما كانت عليه سابقاً. فماذا جَد لكي تتحسن حالتها؟ كل المُعطيات كما هي ولم ولن تتغير. فمن أين يأتي التغيير؟ أما البعض الآخر فكان مؤمناً بأن التغيير هو سنة الحياة وأن العلي القدير قادر على كل شيئ بقدرة (كن فيكون). اعترى البعض الأمل في تحسن حالة هذه المرأة العجوز فقاموا سريعاً بطلب الأطباء المتخصصين لكي يتابعوا الحالة عن قُرب فلم يجدوا بالمستشفى إلا بعض الأطباء (النوبتجي) أو المناوبين!
كان ذلك بمثابة إحباط ما لبث أن بدأ يستشري في باقي العاملين بالمستشفى وأخيراً المرأة العجوز نفسها. فكيف يمكن لكل الأطباء المتخصصين أن يختفوا فجأة لأي سببٍ كان بدون أن يتأكدوا من وجود البديل المناسب الكفء؟ بدأ البعض يلومون إدارة المستشفى لعدم وضع خطة عمل مناسبة وجيدة لتفادي مثل هذه المواقف. وراح البعض الآخر يُعَوِّل على الأطباء المناوبين لكي يقرروا ما يلزم اتخاذه في مثل هذه الحالات. بالفعل قام الأطباء النوبتجي بالكشف السريع على المرأة العجوز وعمل الفحوصات اللازمة واستقر رأيهم على أنه يجب إجراء جراحة عاجلة في أقرب وقت ممكن لتفادي حدوث نكسة شاملة!
بات الجميع يرشح أحد الجراحين المناوبين ليقوم بإجراء هذه العملية فهو المشهور له بالكفاءة ولكنه لم يكن متخصصاً في مثل هذه الحالات بالذات. فبالرغم من موافقة هذا الجراح المناوب على إجراء العملية ظل يسوِّف في ميعاد إجراء العملية يوماً بعد يوم بداعي أن الحالة الصحية لا تسمح ووجود خطورة كبيرة في إجراء مثل هذه العمليات الجراحية حالياً. مرت أيام وأسابيع والجراح المناوب لم يتخذ القرار بعد بإجراء العملية. ففي داخل نفسه كان يخشى أن يحدث ما لا يُحمد عقباه ويفقد المريضة خلال أو بعد العملية مما قد يعرضه للمسئولية ويوقعه تحت طائلة القانون. ففضَّل الجرَّاح المناوب أن يفعل ما في وسعه لكي يحافظ على استقرار الحالة كما هي حتى يحضر أحد الأطباء المتخصصين الذين كانوا يتابعون الحالة من قبل. لذا أصبح الجميع في انتظار وصول الطبيب المختص في أقرب وقت ليرحبوا به قائلين (أهلاً يا دكتور) لعل وعسى أن ينقذ ما يمكن إنقاذه.