الاستثمار - في رأيي -هو أحد العلوم الإنسانية التي تنبع من الطبيعة وتتطور مع مرور الزمن. فأصل كلمة «الاستثمار» هو كلمة «ثمر» ولكي نحصل على الثمرة لابد من ثلاثة عناصر أساسية هي: البذرة، الماء، والوقت. فبدون الوقت لن تتحول البذرة إلى ثمرة. أيعقل أن نزرع البذرة اليوم ونتوقع الثمرة في اليوم التالي؟! إنها الطبيعة الكونية وحكمة الخالق. وأيضا الاستثمار يتأثر بنفس العوامل فليس من المنطقي توقع الحصول على الأرباح (الثمرة هنا) في اليوم التالي للاستثمار (البذرة). فلابد من الصبر ومرور بعض الوقت حتى يتحول الاستثمار إلى أرباح.
كانت أول مرة استثمر فيها بحياتي في السوق الأمريكي حيث كنت أدرس بالجامعة في الولايات المتحدة وشرعت بدراسة الأسهم المتاحة أمامي قبل أن أقرر شراء سهم معين. فبدأت في جمع المعلومات المتاحة أمامي من خلال الإنترنت من حيث القوائم المالية للشركات وآخر الأخبار والأبحاث المنشورة عن الأسهم. وبدأت في تكوين ملف ليشمل البيانات التي رأيتها مهمة لقراري الاستثماري. وبالفعل وقع اختياري على أول سهم أشتريه في البورصة في حياتي وكان سهم شركة «نايكي»، أحد أكبر منتجي الأحذية الرياضية في العالم. ولِما لا؟ فقد كنت أحد عملاء الشركة وبالتالي كان لدي انطباع أولي عن جودة منتجاتها. ولا أستطيع وصف شعوري وقت تنفيذ صفقة الشراء عن طريق نظام التداول الإلكتروني لإحدى شركات سمسرة التجزئة (discount broker). شعرت يومها بأنني قد قمت بالعمل المطلوب على قدر استطاعتي وتمنيت النجاح. وكان ارتفاع السهم فيما بعد سبباً في سعادتي الشخصية وتأكيداً على نجاح عملية القرار الاستثماري التي تبنيتها. طبعاً لو كنت قد خسرت في أول صفقة لي كنت سأعود لطاولة التخطيط لأراجع موقفي وما كان ينقصني لاتخاذ القرار الاستثماري السليم ثم العودة مرة أخرى لشاشات التداول لشراء سهماً آخر قد أَجِد فيه ضالتي.
واليوم أَجِد نفسي مذهولاً أمام عدد المتداولين بسوق الأسهم الذين يستهدفون عوائد خيالية جراء الاستثمار بالبورصة في وقت قصير جداً (وهو ما يُعرف بالمضاربة) وكأنه فقط الهدف الأساسي منها. فمجموعة الأفراد (حيث يتم تسميته كأحد أنواع المستثمرين بالمقارنة بالمؤسسات) لها صفات معينة تتسم بالقرار السريع وأيضاً غير المبني على أسس علمية. فتجد أحد المستثمرين الأفراد ينفذ أمر الشراء لمجرد أن مدير حسابه أو السمسار الخاص قد نصحه بالشراء بعد أن سمع «كلام حلو» عن السهم! نعم، سمع «كلام حلو» وعن «السهم» وليس الشركة التي يمثل السهم ملكية بها. فمن الواضح أن الدافع الأساسي وراء الاستثمار هو الربح السريع بغض النظر عن الطريقة طالما لن تكون هناك خسارة. وقد يربح المستثمر من صفقة أو صفقات سريعة بالفعل ولكن العبرة ليست بسرعة الربح ولكن باستمراريته. ولكي تكون هناك استمرارية لا بد من وضع منهجية للاستثمار لتكون بمثابة «دليل للمستثمر» يعود إليه كلما احتاج تحييد مشاعره الشخصية مع الإلتزام الكامل بدرجة المخاطر التي يستطيع المستثمر تحملها. فكما يريد المستثمر أن يربح كثيراً، يجب أن يعلم جيداً أن الخسارة واردة ويجب أن تكون مخاطرتها محسوبة.