نخفض قيمة العملة أو لا نخفض، تلك بالتأكيد "ليست" هي المسألة
ترجمة للنسخة الإنجليزية الأصلية التي تم نشرها في موقع آراب فاينانس وجريدة الأهرام ويكلي
لو هاملت كان يعيش في مصر، لكان قد افتتح الفصل الثالث، المشهد الأول من مسرحية شكسبير "هاملت" بمقولة مختلفة عن تلك المعروفة وهي "أكون أو لا أكون، هذه هي المسألة". في ذلك الوقت في المسرحية، كان هاملت يفكر في الموت والانتحار، مقارناً ذلك بألم الحياة وظلمها.
هاملت "المصري"
لكن هاملت لا يعيش في مصر. المصريون هم من يعيشون في مصر. في الوقت الحاضر، يمكن قراءة المقولة كشيء من هذا القبيل: "تخفيض قيمة (الجنيه المصري)، أو عدم تخفيضها، هذه هي المسألة". عانى المصريون من وطأة أربع جولات متتالية من تخفيض قيمة عملتهم المحلية على مدى السنوات السبع الماضية. بدأ كل شيء مع أول تخفيض كبير لقيمة العملة في نوفمبر 2016، ولكن منذ ذلك الحين وحتى أوائل عام 2022، تمكن الجنيه المصري من الاستقرار بل وارتفع في عام 2020، وهو العام الذي ضربت فيه جائحة كوفيد -19. ومع ذلك، لم يستغرق الجنيه المصري سوى أقل من شهر للاستسلام لضغوط الحرب الروسية الأوكرانية. اندلعت الحرب في 24 فبراير 2022، ثم تم تخفيض قيمة الجنيه المصري في 21 مارس 2022. وقد عانى من تخفيض كبير آخر لقيمته في 27 أكتوبر 2022 قبل أن يمر بآخر تخفيض كبير له في 4 يناير 2023. إجمالاً، انخفض الجنيه المصري بنحو 70% منذ عام 2016، لكن 70% من هذا الانخفاض استغرق أقل من عام (من مارس 2022 إلى يناير 2023).
عندما يجتمع حدثان "بجعة سوداء"
ومن المفارقات أن العجز التجاري المزمن في مصر لم يختف، ناهيك عن التحسن. على العكس من ذلك، تراجعت الاستثمارات الأجنبية المباشرة (FDIs) وبدأت الاستثمارات الأجنبية في الأوراق المالية من الدخل الثابت والأسهم في الخروج منذ أوائل عام 2022. جاءت الإشارات الإيجابية القليلة من تخفيف إجراءات كوفيد-19 في جميع أنحاء العالم وتحديداً من عائدات قناة السويس والسياحة. في الواقع، وقعت مصر ضحية حدثين عالميين مما تسمى البجعة السوداء وهو ما ضغط على مواردها المالية في وقت لم يكن متوقعًا لهما: كوفيد-19 والحرب الروسية الأوكرانية. لكنني لا أتفق تماماً مع فكرة أن هذين الحدثين العالميين (البجعات السوداء) هم الجناة. في الآونة الأخيرة، تعرض الجنيه المصري لضغوط من العديد من لاعبين دوليين، وعلى رأسهم صندوق النقد الدولي (IMF)، الذي لم يكن سعيداً بالتقدم الذي تم إحرازه منذ توقيعه آخر اتفاقية ائتمان بقيمة 3 مليارات دولار مع مصر. لا تزال دعوة الصندوق لنظام سعر صرف مرن تتصدر وصفته الطبية. ومن بين اللاعبين الدوليين الآخرين وكالات التصنيف الكبرى التي خفضت تصنيف مصر ونظرتها المستقبلية، مثل وكالة موديز، وستاندرد آند بورز جلوبال ريتينجز، وفيتش. في غضون ذلك، دعت بنوك استثمارية عالمية أخرى، مثل جولدمان ساكس وإتش إس بي سي وبنك أوف أميركا، إلى جولة أخرى من تخفيض قيمة الجنيه المصري لمواجهة العاصفة الحالية. لكني لا أعتقد أن هذا سيحل مشاكل مصر الاقتصادية.
نبوءة ذاتية التحقيق عملياً
حتى لو افترضنا أنه ليست هناك حاجة لتخفض قيمة الجنيه المصري، فإن الضغط من المضاربين والمتشائمين سيؤدي في النهاية إلى هذا التخفيض الذي يتوقعه الجميع. في الواقع، إنها تتحول إلى نبوءة ذاتية التحقيق من تلقاء نفسها. يتم حالياً محاصرة مصر من قبل الجميع تقريباً للقيام بهذه الخطوة المقيتة. لكن ذلك لن يجدي ما لم تكن هناك تدفقات كبيرة من العملة الأجنبية إلى البلاد، ومن المفارقات أن تدفقات العملة الأجنبية لن تأتي ما لم يحدث تخفيض كبير في قيمة العملة. لذا، فقد أصبح الأمر الآن حلقة مفرغة أيضاً.
سياسة الانفتاح 2.0: النسخة المحلية لـ laissez-faire
إن الثقة في الجنيه المصري هي التي يجب استعادتها. نعم، يمكن أن يؤدي العرض والطلب الحقيقيان إلى اختلالات تتطلب تحريك للعملة، لكن هل يكفي ذلك وحده؟ مصر بحاجة إلى اتباع سياسة انفتاح أخرى أو ما أسميه سياسة الانفتاح 2.0، النسخة المصرية من laissez-faire (سياسة عدم التدخل). لذا، بالنسبة لهاملت "المصري"، أن نخفض قيمة العملة أو لا نخفض، تلك بالتأكيد "ليست" هي المسألة. والسؤال هو ما إذا كان المستثمرون سيصدقون ويثقون في جدية الحكومة المصرية في تمكين القطاع الخاص مرة أخرى لأنه يأخذ خطوات طويلة نحو الحياد التنافسي الذي وعدت به.
بمعنى آخر، الحكومة المصرية بحاجة إلى أن تبدأ في التنفيذ، وأن تبدأ في التنفيذ الآن.