لا شك أن الكورونا لم تكن صديقة للعالم خلال عام 2020 بأي مقياس من المقاييس، بل أكثر من ذلك، أصبحت العدو اللدود للعديد من القطاعات التي تأثرت بالسلب.
فمن جهة، عانت قطاعات اقتصادية من تبعات هذا الفيروس اللعين الذي أجبرها على الإغلاق لفترات طويلة مما أفقدها إيرادات لم تستطع معادلة تكاليفها وبالتالي انخفضت الأرباح إن لم تكن قد تحولت إلى خسائر بالفعل.
ومن جهة أخرى، تم تسليط الضوء على قطاعات اقتصادية أخرى استفادت من الأزمة، مثل قطاع الاتصالات والتكنولوچيا، وذلك عن طريق: أولاً تسارع معدلات النمو في القطاع نتيجة تغير أنماط الاستخدام، وثانياً تحول العديد من القطاعات الاقتصادية الأخرى لهذا القطاع للوصول إلى عملائهم بطريقة أسرع وأكثر كفاءة.
على سبيل المثال، رأينا القطاع الصناعي يتوقف (أو على الأقل يتباطأ) نتيجة (أو تخوفاً من) انتشار الفيروس بين العاملين بالقطاع.
على الجانب الآخر، قدرة تحول بعض القطاعات الأخرى إلى نظام العمل من البيت كانت مدفوعة بوجود بنية تحتية قوية في قطاع الاتصالات والتكنولوچيا استطاعت أن تكون عاملاً مساعداً إن لم يكن أساسياً في التحول نحو الرقمنة بخطى أسرع.
فأصبحت كلمة “تك” هي كلمة السر للعديد من القطاعات التي تقاربت مع قطاع الاتصالات والتكنولوچيا لتخلق مزيج جديد معتمداً على شقين، أحدهما من ذات القطاع والآخر من قطاع الـ “تك”. ونتج عن هذا التقارب قطاعات “هجينة” مثل قطاع التكنولوچيا المالية (فينتك) والتكنولوچيا الصحية (هيلثتك) والتكنولوچيا التعليمية (إدتك) وهكذا.
بالقياس تاريخياً، الدور الذي لعبته الانترنت في خلق شركات جديدة ونماذج أعمال جديدة منذ عشرين عاماً (وما يعرف باسم عصر الدوت كوم) بشبه الدور الذي تلعبه التكنولوجيا حالياً في خلق شركات جديدة ونماذج أعمال جديدة (فيما يمكن أن نسميه عصر التك) .
في مصر، لم يبدأ هذا التحول التكنولوچي في آخر عام أو عامين بل بدأ منذ أكثر من عقد حيث ظهرت شركات مثل شركة فوري ومصاري لتقوم تلك الشركات بملء الفراغ بين العرض والطلب لتسهيل تحويل الأموال عبر تطبيقات إلكترونية.
وتعتبر تجربة شركة فوري هي الرائدة في هذا المجال حيث تم طرح أسهمها في البورصة المصرية في عام 2019 ليتضاعف سعر أسهمها أكثر من أربع مرات وجاء معظم هذا الارتفاع بعد ظهور فيروس كورونا على الساحة العالمية نتيجة لتوقعات السوق بارتفاع الطلب على خدمات التكنولوجيا المالية ومنها خدمات فوري لتحويل الأموال لدور هذه الخدمات في تحقيق التباعد الاجتماعي. والبقية تأتي.. قريباً.
ومع انتشار استخدام الانترنت والـ big data والـ internet of things بالعالم عامةً وبمصر خاصةً، نستطيع أن نجزم بأننا على مشارف عصر جديد تقوم فيه الشركات الوليدة بدور “المُربكات” التي تكشف الغطاء عن معدلات نمو كامنة في قطاعات تقليدية مختلفة، مثل قطاعي الصحة والتعليم. أصبح العالم عبارة عن كتل من البيانات اللانهائية التي يجب دراستها في سبيل فهم أعمق لتلك القطاعات.
في جانب الصحة، نرى العلاقة بين المرضى ومقدمي الخدمات تتجه نحو بناء تاريخ “صحي” للمريض يساعد الطبيب على اتخاذ قرارات مصيرية في وقت الحاجة دون الاعتماد على نظام “التجربة والخطأ”.
وفي جانب التعليم، نرى العلاقة بين الطلاب والمؤسسات التعليمية تتجه نحو توفير كافة السبل للطرفين لرفع كفاءة العملية التعليمية من خلال التواصل اللحظي بين الطرفين أو الدراسة عن بعد أو الدراسة عند الطلب.
ومما لاشك فيه أن فيروس الكورونا كان نقمة على الاقتصاد العالمي من حيث تثبيط معدلات نمو الناتج المحلي الإجمالي ولكنه كان نعمة على بعض القطاعات التي استفادت بطريقة مباشرة وتلك القطاعات التي اضطرت لإعادة هندسة نماذج أعمالها مبكراً لتتماشى مع الواقع الجديد — مع العصر الجديد — مع عصر التك.