الولايات المتحدة «العربية» ... ماذا لو؟!
مقال رأي مقدم لمجلة مباشر الخليج - عدد مايو 2016
ما أجمل أن يقوم المرء باسترجاع ذكرياته ومقارنة الماضي بالحاضر لاستشراف المستقبل. فمن "فات قديمه تاه" وعادة ما "يعيد التاريخ نفسه" ونحن كأمة عربية لابد وأن نفخر بتاريخنا الذي يمتد عبر مئات بل آلاف السنين. لكننا حديثو العهد بأسواق المال فتاريخنا لايتعدى العشرين عاماً أو مايقارب ذلك.
منذ أكثر من ثلاثة أعوام، شرفت بتقديم عرض تحليلي في المؤتمر السنوي لإتحاد البورصات العربية بسلطنة عُمان حيث قمت باستعراض حال أسواق المال الإقليمية وخصوصاً منطقة شمال أفريقيا والشرق الأوسط وتأثير أداء الاقتصاد على أدائها. وقتئذٍ كانت أسعار النفط (برنت) قد ارتفعت بنسبة 200% من أقل سعر لها بعد الأزمة العالمية حتى فبراير 2013. وكان سعر البرميل الواحد قد استقر فوق الـ 100 دولار أمريكي بعد أن هبط بنسبة 75% في أعقاب الأزمة العالمية. بالفعل، نجحت اقتصادات منطقة شمال أفريقيا والشرق الأوسط في تجنب تبعات الأزمة العالمية فلم تشهد المنطقة معدلات نمو حقيقية سالبة خلال تلك الفترة ولكن فقط انخفضت معدلات النمو لتسجل حوالي 3% في عام 2009 قبل أن تستقر عند معدل 4% سنوياً بعد ذلك. فارتفاع أسعار النفط ساعد اقتصادات الدول المنتجة للنفط بالمنطقة في المحافظة على النمو وتحقيق فوائض في الحسابات الجارية لهذه الدول.
بعد ذلك تغيرت الصورة حيث بدأت أسعار النفط في الإنخفاض وانكمش حجم الاستثمار الأجنبي المباشر كنسبة من إجمالي الناتج المحلي من 5.8% عام 2007 إلى 1.6% عام 2011. وهو ماجعلني ألاحظ سوء التوزيع لرأس المال النقدي والبشري بين الدول العربية. فعلى سبيل المثال، هناك دول غنية من حيث الأموال مثل السعودية والإمارات العربية المتحدة وقطر ولكنها فقيرة من حيث تركيبة عدد السكان وهناك دول أخرى غنية من حيث عدد السكان وتركيبتهم مثل مصر والأردن وتونس ولكنها فقيرة مادياً. ومؤخراً مع انخفاض أسعار النفط مرة أخرى بدأت الدول المنتجة للنفط والغاز الطبيعي في التكيف مع الوضع الجديد لخفض حدة التأثير السلبي على اقتصاداتها وهو ماجعلها تتجه إلى التنويع الاقتصادي بعيداً عن قطاعي النفط والغاز حيث يعتبر المحللون الاقتصاديون ذلك بمثابة طوق النجاة حتى ارتفاع أسعار النفط مرة أخرى.
ولكن ... هل عملية التنويع وحدها تكفي؟ في الواقع التنويع – مثل نظرية المحفظة المالية الحديثة في أسواق المال – يجب أن يكون بطريقة متوازنة لكي لا يجور قطاع اقتصادي على قطاع آخر في الدولة الواحدة. ولكن ماذا عن الدول العربية ككتلة واحدة؟ لماذا لا يتم التكامل بينها من حيث حرية انتقال رؤوس الأموال النقدية والبشرية؟ لماذا لا يتم التكامل بينها من حيث تداول الأوراق المالية في أسواق المال؟ لماذا لا تكون هناك استراتيجية عربية موحدة لتعظيم معدلات النمو في كل الدول؟ وأخيراً لماذا لا يكون هناك ما يسمى بالولايات المتحدة العربية ككيان اقتصادي متكامل ليضاهي بذلك الولايات المتحدة الأمريكية والإتحاد الأوروبي؟ لماذا ولماذا ولماذا؟! فهل من مجيب!