لم أكن مهتماً قط برياضة الفروسية أو متابعاً لها بالرغم من حَث الدين الإسلامي على تعليم أبنائنا السباحة والرماية وركوب الخيل. ولكن بعد أن إلتحقت ابنتي بفريق الفروسية منذ حوالي عامين، أصبحت على دراية لا بأس بها بأصول بعض سباقات هذه الرياضة الجميلة مثل قفز الحواجز والترويض. ولكن الذي جذب إنتباهي كمتخصص في أسواق المال هو وجه التشابه بين رياضة الفروسية والبورصة.
قديماً كان الناس يُشَبِّهون دماثة الخُلُق بـ "أخلاق الفرسان". ولكني لم أدرك معنى هذه المقولة إلا بعد أن لمست هذه الأخلاق مباشرةً. فالفروسية تُعَلِّم الإلتزام والذي يشمل العديد من الأمور بدءاً من إحترام المدرب والفرسان الآخرين ومروراً بمواعيد التدريبات والزي الرسمي للبطولات وإنتهاءً بالمثابرة وتحقيق الذات. أيضاً، الفروسية تُعَلِّم التكيف مع الوضع القائم والإستعداد دوماً لأي تغير قد يحدث للوصول للهدف وهو الفوز. فالفارس الناجح هو من يستخدم خبرته في التعامل مع الخيل في كل الأحوال، مستقرة كانت أم مضطربة.
ففي البورصة نجد أن أحد أهم الصفات التي يجب أن يتحلى بها المستثمر أو المتداول هي الإلتزام، ويشمل ذلك إتباع سياسة استثمارية معينة وعدم التخبط نتيجة أي عوامل نفسية قد تؤثر على القرار الاستثماري. أيضاً، المستثمر أو المتداول الناجح هو من يتخذ قرارات حسب وضع السوق الحالي مع الإستعداد لتغيير هذه القرارات سريعاً للتعامل مع أي مستجدات مثل بيانات إقتصادية أو نتائج مالية لشركات معينة للوصول للهدف وهو تحقيق الربح أو على الأقل الحفاظ على رأس المال.
ومع متابعتي لابنتي في الفروسية أصبحت أرسم مقارنات بين هذه الرياضة (التي فوجئت بكونها أحد الألعاب الأوليمبية المعترف بها عالمياً) وبين البورصة بشكل خاص والاستثمار بشكل عام. وبالتالي لم يكن غريباً علَّي أن أجد العديد من خبراء البورصة مهتمين بهذه الرياضة ايضاً! فهناك من يركب الخيل ويدخل المنافسات وهناك من يشجع أبناءه على ركوب الخيل. فلو أمعنا قليلاً سنجد أن أهم أوجه التشابه هي روح التحدي والاستعداد لتخطي الحواجز والعقبات والتعامل مع كل الظروف والتغيرات المحتملة.
في رأيي، إن أسواق المال بمثابة مضمار السباق حيث يلتقي المستثمرون لتحقيق الفوز الأكبر وهو تحقيق عائد إيجابي مُعَدَّل بمستوى المخاطرة وذلك عن طريق ضبط النفس والإلتزام بالسياسة الاستثمارية واختيار الحصان الرابح (سهماً كان أو أي نوع آخر من فئات الأصول المختلفة) للوصول لهذا الهدف. لذا أنصح المستثمرين بالتحلي بأخلاق الفرسان بصفة عامة وخصوصاً عند الاستثمار فعاجلاً أم آجلاً سيحققون أهدافهم المنشودة.