فك الارتباط .. واقع حتمي أم لا؟
مقال رأي مقدم لمجلة مباشر الإمارات - عدد يونيو 2016
عادةً ما تتبع دولة معينة سياسة مالية أو سياسة نقدية تتناسب مع ظروفها المحلية وتخدم تطلعاتها وأهدافها الاقتصادية. ولكن عندما تكون عملتها المحلية مرتبطة بعملة دولة أخرى يكون الوضع مختلفاً مما يستوجب الدراسة الدقيقة لكل الجوانب قبل اتخاذ قرار «فك الارتباط». فاليوم أصبح تناغم السياستين المالية والنقدية ضرورة حتمية وغيابه يكون سبباً لتشتت مجهودات الدولة وبالتالي ضعف الاقتصاد.
بدايةً، قد تكون هناك نتائج إيجابية لإتخاذ دولة معينة قراراً بربط عملتها بعملة دولة أخرى. على سبيل المثال، ربط العملة المحلية بعملة دولة أخرى مثل الدولار الأمريكي أو اليورو يسهل الأمر للشركات والمستثمرين من حيث إمكانية التنبؤ. بالفعل، أحد أهم مخاطر الاستثمار بعد سلطة القانون هو مخاطر العملة فالمستثمر قد يربح بالعملة المحلية لكن عند تحويله هذه الأرباح للخارج قد يواجه تغير في قيمة تلك العملة المحلية – إيجابياً أو سلبياً. لذلك ثبات العملة المحلية عند سعر معين مقارنة بعملة أخرى عادةً ما يعضد ثقة المستثمرين في الاستثمار بدول العالم الأخرى.
على الجانب الآخر هناك بالتأكيد نتائج سلبية لربط العملة المحلية بعملة دولة أخرى. أولاً، يتسبب ذلك في عدم استقلالية الدولة من حيث السياسة النقدية من حيث رفع أو خفض معدلات الفائدة وبالتالي تتأثر مرونة السياسة المالية للدولة وقد يتسبب ذلك أيضاً في استنزاف موارد الدولة من الاحتياطي الأجنبي نتيجة محاولات الدولة في الحفاظ على قيمة عملتها حيث يضطر البنك المركزي إلى شراء العملة المحلية مقابل بيع العملة الأجنبية لتحقيق التوازن بين العملتين. ثانياً، إلتزام الدولة بربط عملتها بعملة أخرى قد يجعلها مضطرة لإتخاذ قرارات اقتصادية لا تساعد على تحقيق أهدافها المحلية مثل رفع معدلات النمو الاقتصادي وتحجيم معدلات التضخم وخلق فرص العمل.
بينما نجد دول مختلفة لاتزال تربط عملتها بالدولار الأمريكي مثل هونج كونج أو باليورو مثل الدنمارك نجد دول الخليج تتصدر عناوين الأخبار بموضوع «فك الارتباط» نتيجة انخفاض أسعار النفط ومايتبعه ذلك من انخفاض للموارد السيادية من العملة الأجنبية. ولايزال المضاربون في سوق العملات يراهنون من حين لآخر على قُرب عملية «فك الارتباط»! لكن إذا مانظرنا للموضوع بصورة أكثر شمولية فسنجد أن مثل هذا القرار – وإن كان محتملاً في أي وقت – غير وارد حالياً. فدول الخليج تمتلك القدرة المالية التي تمكنها من تخطي هذه المرحلة ومع إتجاه هذه الدول لتنويع مصادر دخلها بعيداً عن النفط ستتمكن في المستقبل من تجنب أي هزة اقتصادية إذا ما استمرت أسعار النفط في الانخفاض. لكن في رأيي الشخصي، قد تضطر دول الخليج آجلاً في تغيير سياساتها النقدية نوعاً ما لأن ربط العملة بالدولار الأمريكي لن يخدم سياساتها المالية فيما بعد وقد تتجه إلى ربط عملاتها بسلة عملات بدلاً من عملة واحدة. ولعل تجربة دولة الكويت بفك ارتباط الدينار الكويتي بالدولار الأمريكي وربطه بسلة عملات قد تكون خير برهان على هذا الإتجاه.