لتصبح محللا ماليا مخضرما، يلزم أكثر من مجرد شهادة على الحائط في مكتبك الصغير. فالرحلة تستغرق سنوات من الخبرة المتراكمة حيث يمر المحلل المالي من خلال بعض الارتفاعات والانخفاضات على طول الطريق. قبل عشرين عاما، كان أول عمل لي محللا ماليا في صندوق تحوط يدير أصولا بملايين الدولارات. كان هذا هو المكان الذي بدأت حياتي المهنية فيه وتطورت أخلاقيات العمل لدي به.
إن الرحلة تبدأ أولا مع جمع البيانات التي يتعلم من خلالها المحلل المالي أمرين رئيسيين. الأول هو عدم القبول بـ "لا!" كإجابة، والآخر هو أن "العجلة التي تصدر صريرا ستحصل على الزيت". وخلاصة القول، يعني هذا أن المحلل المالي الذكي لا يستريح ولكنه يكون دائما مطلعا على المزيد من البيانات لتحسين التحليل. بالتأكيد، لا يمكن للمرء أن يستنفد جميع مصادر البيانات الممكنة، ولكن كلما جمع الواحد بيانات أكثر، كلما ارتفعت فرص الوصول لخلاصة ثاقبة.
يأتي بعد ذلك الجزء تحليل البيانات، حيث يقوم المحلل المالي بفعل ما يدعيه: التحليل! فلا توجد مجموعة شاملة من المبادئ التوجيهية لتعليم كيفية أو نوعية التحليل. في الواقع، التحليل هو موهبة تغذيها الخبرة. أتذكر أن أول مدير لي كان يطلب مني أن أكتب كلمة مكونة من ثلاثة أحرف وأن أجعلها نصب عيني في كل وقت. الكلمة كانت "فَكَّر" وهي التي ستحول البيانات التي تم تحليلها إلى معلومات ذات مدلول.
أما الخطوة الثالثة لتصبح محللا ماليا فتتضمن التنبؤ بالأداء المستقبلي استنادا إلى الاتجاهات التاريخية وخطط الأعمال التفصيلية. وفي هذه المرحلة يبدأ المحلل المالي في ربط النقاط ببعضها البعض. فكأنه يضع قطع الأحجية معا لخلق صورة ذات معنى. وهو مثل المهندس الذي يحاول فهم ميكانيكية آلة معينة يستخدمها. وللقيام بذلك، يقوم المهندس بفك الآلة لقطع صغيرة ثم محاولة وضع كل القطع معا مرة أخرى. عندئذ فقط سوف يفهم المهندس حقا كيف تعمل الآلة.
والهدف الأسمى لأي محلل مالي هو تنفيذ التحليل على أرض الواقع باستخدام أموال حقيقية، وهو ما يُعرف باسم "إدارة الأموال". ويمكن القيام بذلك شخصيا عن طريق إدارة المال الخاص أو أموال الآخرين. وفي نهاية المطاف، يجب أن يشتمل ذلك على مقارنة المخاطر مقابل العائد المستهدف قبل تخصيص الأموال بفئات الأصول المختلفة بالعالم.
وطوال هذه الرحلة، لا يمكن للمرء أن ينسى أبدا تأثير بعض المديرين على حياته المهنية وتوجيههم المستمر باعتبارهم نموذجا يُحتذى به. ففي مرحلة ما من حياة المرء، يجب أن تنتقل الشعلة أيضا إلى الجيل التالي. وهذا هو جوهر التطور الذي ننشده في مجال التحليل المالي.